كولون: ماجد الخطيب
«تسونامي لاجئين» اجتاح المانيا فى التسعينات، وبلغ الذروة عام 1992 (1.2 مليون لاجئ)، وكان سببا من ضمن الاسباب التي ادت الى قانون الهجرة الالماني الجديد، الذي دخل حيز النفاذ مطلع العام الجارى، وذلك بعد سنوات طويلة من النقاش في البرلمان. فإصلاح قانون الأجانب لعام 1993، والتشدد في منح اللجوء، نجح في «تطفيش» الأجانب باتجاه هولندا وبريطانيا، ليقلل عدد طالبي اللجوء في ألمانيا عام 1994 إلى مجرد 112.75 ألف لاجئ. وما زالت أعداد طالبي اللجوء في ألمانيا بانخفاض حسب التقارير الشهرية التي تنشرها دائرة الاحصاء. يمكن اذا القول ان القانون الجديد صيغ بالاساس للابقاء على معدلات الهجرة عند المعدلات الحالية وقطع الطريق امام موجات تسونامي جديدة من اللاجئين على غرار الوضع في التسعينات. قالت وزارة الداخلية الاتحادية، ان قانون الهجرة الجديد برنامج لتقنين الهجرة إلى ألمانيا، وفق ما هو جار في الولايات المتحدة وكندا واستراليا، موضحة ان المعايير الجديدة للهجرة تأخذ في اعتبارها «هجرة الكفاءات» من دول العالم بما يتوافق مع حاجة السوق الالماني. واعادة تنظيم قانون الاقامة واللاجئين وفق أسس جديدة تؤدي الى الحد تدريجيا من «الاقامة غير الشرعية»، ووقف انتهاكات قانون اللجوء وحق الإقامة، وتعزيز اندماج الأجانب في المجتمع الألماني، مع الاخذ في الاعتبار متطلبات حملة مكافحة الإرهاب التي بدأت بعد هجمات 11 سبتمبر (ايلول). وتعتبر الفقرة الأخيرة من قانون الهجرة الجديد الخاصة بالوضع الأمني من أبرز الفقرات، لأنها تبيح ترحيل أئمة المساجد المحرضين على الكراهية وابعاد المشبوهين بتهمة دعم النشاط الإرهابي، أو تقديم الدعم المادي للمنظمات الإرهابية العاملة في الخارج.
ويختصر قانون الهجرة الجديد الإقامة في ألمانيا إلى نوعين فقط، بعد أن كانت هناك عدة أنواع تتراوح بين الاقامة الدائمة والاقامة المؤقتة وتصريح الاقامة وغير ذلك. ونوع الاقامة الأول محدد ويشمل اقامات الدراسة في الجامعات، والتدرب المهني، واللاجئين المؤقتين، وينبغي تمديده بين فترة وأخرى. بينما يشمل نوع الاقامة الثاني التوطن وهو عبارة عن اقامة غير محددة ومرفقة بتصريح عمل. علما بأنه ينبغي على السلطات المحلية في الولايات دراسة كل حالة بذاتها، ويشترط في كل الحالات أن يكون الحاصل على الإقامة قد نجح في دورة لتعلم اللغة الألمانية. والجديد أيضا في الاقامة انه يعتبر تأشيرات الدخول (الفيزا) نوعا من الإقامة، ولهذا فإن القانون يوصي السفارات والممثليات الدبلوماسية بدراسة طلبات الدخول إلى ألمانيا بعناية بالغة.
ونظم القانون لأول مرة استقدام أصحاب الكفاءات العالية، والسماح لأصحاب الثروة من الأجانب بالقدوم للمشاركة في الاقتصاد الألماني، ومع ذلك فإن شروط هذا النوع من الاقامة ليست سهلة بحال، اذ ينص القانون على حق أصحاب المهن الحرة بالاستقرار في ألمانيا بشرط تجاوب مشاريعهم مع مستوى الاقتصاد الألماني، وأن يخضع لشروط سوق العمل، وضرورة أن يسهم المشروع في مكافحة البطالة. وينال حق الاقامة لمدة ثلاث سنوات، ثم حق التوطن، بعد أن يكون قد أمن وضعه الاجتماعي، واستثمر مليون يورو فما اكثر في الاقتصاد الألماني، وبشرط أن يشغل 10 عمال.
ويدعو القانون بشكل صريح الى وقف هجرة غير المتعلمين و«الأقل تعلما»، إلى ألمانيا وعدم الأخذ بنظام جمع النقاط المعمول به في كندا. ونظام «جمع النقاط»، يقوم على تحديد قبول هجرة شخص من عدمه عبر عدة معايير تشكل نقاطا، من هذه المعايير الشهادة العليا والخبرة العملية واتقان اللغة والسيرة الذاتية والخبرة. فيما يركز القانون الجديد بالاكثر على موضوع الكفاءة العملية والافادة المباشرة للاقتصاد الوطني. ويحق للدارس في ألمانيا الحصول على إقامة لمدة سنة بعد تخرجه لأغراض البحث والتدريب، ويمكن تمديدها لاحقا في حالة الحصول على عمل.
كما يركز القانون على تسفير وابعاد الأجانب الذين يشكلون خطورة على الوضع الأمني الداخلي. وعلى هذا الأساس فإن من حق الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية ترحيل أو ابعاد الشخص حسب خطورته. ويتعرض للابعاد النظامي (أو الاعتيادي) كل من ينتمي إلى منظمة تدعم الإرهاب أو يدعم مثل هذه المنظمة. ويتعرض للترحيل «التقديري»، بمعنى أن الترحيل متروك لتقدير المسؤولين المحليين، من يدلي بتصريحات معادية للدستور ومن يحرض على الكراهية والعداء للشعوب مثل أئمة المساجد المحرضين.
والملاحظ أن القانون، رغم وصف وزير الداخلية اوتو شيلي له بأنه قانون لدمج الأجانب بالمجتمع الألماني، الا انه يقصر عملية الاندماج في معظم الفقرات على تعلم اللغة. علما بأن قضية اتقان الأجنبي للغة الألمانية قد تركت لقرار الدوائر المحلية، فتعمل ولاية بافاريا المتشددة مثلا على امتحان المتقدم باللغة كتابيا وشفاهيا، في حين تكتفي ولايات أخرى متساهلة بحديث قصير مع الأجنبي. وطبيعي فإن من الممكن تعقيد امتحان اللغة بحيث لا ينجح أي أجنبي، مهما كان اتقانه للغة، في اجتيازه.
ومن يقرأ تفاصيل القانون يلاحظ أن شروط اقامة الخريجين والكفاءات في ألمانيا اكثر تعقيدا مما تبدو للوهلة الأولى. فمن حق الدارس في ألمانيا الحصول على اقامة لمدة سنة تلي تخرجه، ولكن بشرط وجود اهتمام عال بمهنته وتناسب العمل الذي يجده مع موضوع دراسته. ولو تتبعنا المشاكل الناجمة عن التسفير القسري للاحظنا ثغرات القانون في هذا المجال بسهولة. فقانون الهجرة الجديد لا يمس إجراءات التسفير القسري التي أدت إلى موت العديدين، بينهم السوداني أمير عجيب الذي كتم رجال الشرطة أنفاسه حتى الموت في الطائرة المقلعة به