يصطدم قانون اللجوء السياسي في المانيا بالعديد من العقبات التي لا حل ممكناً لها, كما يصطدم بثغرات قانونية تعطل العديد من مفاعيله.
ودلّّت التجارب عند تطبيق القانون, بأن نسبة طالبي اللجوء لأسباب اقتصادية تتقنع بأسباب سياسية تعادل أضعاف نسبة طالبي اللجوء لأسباب سياسية حقيقية, لكن العقدة الأبرز, هي في صعوبة تحديد جنسية طالب اللجوء عندما يمزّق جميع الوثائق التي يحملها لحظة وصوله الى أي مطار أو مرفأ الماني, أو عندما يتسلل بطريقة غير شرعية عبر الحدود البرية, ويتلف جميع الأوراق الثبوتية لهويته وجنسيته الحقيقية.
وفي حال وصل طالب اللجوء الى مطار أو مرفأ الماني, فإن سلطات حراسة الحدود تجبر الطائرة أو الباخرة التي حملت الشخص طالب اللجوء على إعادته الى المكان الذي حملته منه, وعلى نفقتها الخاصة, وهذا الأمر دفع بشركات السفر البحري والجوي الى فرض رقابة وتدقيق على هويات المسافرين للتأكد من وجود سمة دخول شرعية الى المانيا, وهذا ما خفف من عمليات التسلل غير الشرعي, الا أن الأزمة بقيت متفاقمة مع الذين يتسللون بطريقة غير شرعية عبر الحدود البرية.
وفي هذه الأحوال, عمدت السلطات الألمانية الى اتخاذ بصمات أصابع الأشخاص الذين تعمل على ترحيلهم, لأن معظم المتسللين هم من الذين جرى ترحيلهم عنوة عن المانيا, فحاولوا العودة بطريقة غير شرعية, أما عبر عصابات التهريب أو عبر الاستحصال على سمة دخول جديدة بعد تغيير كتابة الاسم, كما في أحوال اللاجئين العرب, الذين تجوز كتابة اسمائهم بأل التعريف أو بدونها, أو مع حركة الكسر عوضاً عن الياء, وهذا الأمر يسري على معظم الرعايا الآسيويين أيضاً, لكن بصمات الأصابع المدونة في السجلات الألمانية أغلقت هذه الثغرة أمام المتسللين.
\إلا أن العقدة الأبرز في قانون اللجوء السياسي الى المانيا فهي تتجلى في هوية الذين لا أوطان لهم, كالفلسطينيين والأكراد, فهؤلاء تقف السلطات الألمانية عاجزة أمام قضايا ترحيلهم, خاصة في حال اصرارهم على العودة الى "وطنهم" فقط, وهذا من حقهم.
ودرجت العادة في الماضي على اعادة من لا وطن له, الى المكان الذي انطلق منه, هكذا جرت اعادة الفلسطيني الوافد من لبنان أو الأردن أو سوريا الى البلدان التي جاء منها, وعلى اعادة الكردي الوافد من العراق أو سوريا أو لبنان, أو تركيا, الى البلدان التي جاء منها أيضاً, لكن الأمور تعقدت بعد أن اتخذت هذه البلدان اجراءات رفضت من خلالها اعادة استقبال من يخرج منها.
وفي هذا السياق, تبدو قضية المواطن الفلسطيني طالب اللجوء, عيسى القادري, أبرز مثال على معاناة الألمان مع قانونهم, ومعاناة طالب اللجوء مع مصيره, لقد وصل الفلسطيني القادري المولود في نابلس الى المانيا في العام 1981, وهو يحمل أوراقاً ثبوتية صادرة عن السلطات الأردنية مع ختم يؤكد رفض الأردن لاستقباله مجدداً على أراضيه يومها, وكان الأردن آنذاك هو المخول بإصدار الوثائق الثبوتية, وتبدأ معاناة القادري, والمتواصلة منذ عشر سنوات, بعد رفض المانيا لطلب لجوئه السياسي, وصدور حكم بترحيله, لكن الى أين؟.. الأردن يرفضه, والمانيا لا تريده أن يبقى على أراضيها, واسرائيل لا تعترف به وهو يقول: (منذ عشر سنوات والمانيا تهددني بالرحيل, ولكن الى أين؟ لا اعرف).
منذ عشر سنوات, يحاول المواطن الفلسطيني الخروج من دائرة "جنسية الفراغ" من دون جدوى, وفي كل مرة تسجنه السلطات الالمانية في سجون الترحيل عدة اسابيع بهدف ترحيله ثم تعود بعد أسابيع وتطلق سراحه, ويفيد محامي القادري أن موكله أصيب أكثر من مرة بانهيار عصبي ودخل المستشفى, وهو يرغب بالعودة الى وطنه فلسطين.
ويكاد مدير دائرة النزوح والهجرة في المانيا, كلاوس تيمه, يفقد صوابه وهو يقرأ تعبير "جنسية قيد الدرس" على جواز سفر مواطن قادم من لبنان, ويصرخ بغضب: "ماذا تعني هذه الجملة؟ ومتى ينتهي الدرس؟", وتدور جملة أخرى من الأسئلة حول دول وأوطان "موجودة في العقول عقول وضمائر أصحابها و"مفقودة على الجغرافيا", وهنا يتساءل كلاوس تيمه: "جاءنا من يقول أنه كردي من كردستان, وراح يتحدث باللغة الكردية.. لكن أين هي كردستان وأين مطارها.. كيف ومن أين وصل هذا اللاجىء الى المانيا؟
طبعاً, معاناة السلطات الالمانية في التعامل مع قضايا اللاجئين والنازحين لا تتوقف هنا, وتبدو قضايا اللاجئين الآسيويين, وتحديداً من اليابان والصين وفيتنام وكوريا, هي أصعب الفوازير التي تواجه دائرة النزوح والهجرة الالمانية, وهنا يلقي الموظف المسؤول عن الدائرة الآسيوية, بيتر بوتكيه, كمية من جوازات السفر الآسيوية على مكتبه ويقول: "أنظر الى صورهم.. كلهم يشبهون بعضهم.. أنا لا استطيع التمييز بينهم".. ويضيف: "يكتبون حرفاً ويلفظونه بشكل مختلف ويتحول حرف "الراء" الى حرف "باء" وحرف "التاء" الى حرف "جيم" وهكذا دواليك, يقول اسمه "يان ويكتبه "طال".. فكيف نسجلهم في دوائرنا؟؟
ويفيد مدير دائرة اللجوء والهجرة والنزوح في المانيا الى أن دائرته تتعامل مع الواقع, وتحاول استنباط حلول واجوبة على قضايا "الجنسيات", مؤكداً ان الجانب الانساني, هو الذي يحدو السلطات الالمانية في تحديد جنسية اللاجىء, ويقول المدير: "نعرف تماماً أن بعض اللاجئين دخلوا الى المانيا بأسماء وجنسيات مزورة, ومهمتنا هنا, لا تتعدى استقبالهم بالأوراق التي دخلوا بها.. العراقي الذي يدخل بجنسية لبناني مزورة, نقبله لبنانياً وهكذا دواليك, نحن لا نستطيع التعامل مع المزورين.
إذاً, كلهم في "اللجوء" سواء, ولا هم للجنسية, فطالب اللجوء يفترض بأنه مطارد بسبب العرق أو اللون أو الطائفة أو الفكر, وهو يستحق الحماية والرعاية, فالقيمة هي للإنسان قبل هويته.. هكذا قال مدير دائرة اللجوء والنزوح والهجرة في المانيا.
وعلى أي حال, فإن قوانين اللجوء الالمانية الجديدة, تواكب هذه التطورات, وقد بدأت باعتماد مرجعية بصمة الابهام والصورة الفوتوغرافية المرمزة للتثبت من هوية اللاجىء, لكن هذا الأمر ينطبق فقط على اللاجىء المطرود من المانيا, منعاً لعودته مجدداً, وهذا يعني أن "الانسانية" في التعامل, لها دائماً أكثر من مفهوم ومعنى.
********************* منقول