الاعتداء على النساء في المنزل يحدث في كافة طبقات المجتمع الألماني وبشكل شبه يومي. ولا يقلل من خطورة ذلك تخفيف المجتمع من وقع هذه الاعتداءات تحت اسم "مشاجرات عائلية". نتائج دراسة أُجريت بإيعاز من وزارة الأسرة والمرأة عام 2003 تضع أمامنا نتائج تثير الفزع: واحدة من بين كل اثنين إلى ثلاث نساء تعرضت لاعتداءات جسدية، وواحدة من بين كل سبع نساء تعرضت لتحرشات جنسية. كما أن واحدة على الأقل من بين كل أربع نساء تعرضت لاعتداءات جسدية أو جنسية (أو كليهما)مرة أو أكثر من شريك حياتها. أما الجرائم التي تظل طي الكتمان ويصعب تقدير أعدادها فهي جرائم الاعتداء الجنسي على القاصرين والأطفال الذين يصعب عليهم التحدث عنها في حين تظل آثارها عليهم طوال حياتهم.
تخلف الاعتداءات الجسدية أو الجنسية آثاراً مدمرة على الضحايا، فحتى بعد تماثل الجراح الجسدية للشفاء تظل علامات الاعتداء واضحة على روح الضحية، فتصاب بأمراض نفسية متعددة مثل الاكتئاب أو الخوف أو الجبن، ناهيك عن الملاحقة المستمرة لشبح واقعة الاعتداء في اليقظة والنوم. كما أشارت الدراسة المذكورة سابقاً أن الجراح تكون أكثر عمقاً وأطول وقتاً عندما يكون المعتدي شريك الحياة. وغالباً ما يحدث أن تغالب المرأة آلامها وتقرر الصمت وتحمل الإهانة حتى تحمي حياتها الزوجية من خطر الإنهيار، أو تجنب أطفالها التعرض لمشاكل تؤثر على مستقبلهم. وفي حالات أخرى تشعر المرأة بالخوف من تهمة العار أو من شريكها فلا تجرؤ على المجاهرة بشكواها. وفي كل الحالات تتحمل المرأة وحدها تبعات العنف المسلط عليها.
القوي يضطهد الضعيف
Bildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift: حتى في الزواج يوجد عنف
للوقوف على حجم ظاهرة العنف ضد النساء في ألمانيا وأشكالها المختلفة توجهنا إلى السيدة راحيل فولتز المتحدثة باسم مركز "أرض المرأة Terre des Femmes" المستقل والمعني بوضع المرأة وحقوقها في ألمانيا. أوضحت لنا السيدة فولتز أن ظاهرة الاعتداء على المرأة منتشرة بشكل كبير في ألمانيا، والشكل الأوضح لها هو العنف المنزلي، بجانب الأشكال الأخرى طبعاً كالاغتصاب والتحرش والاعتداء في الشارع. ومن الصعب تحديد سبب واحد يمكن إرجاع ظاهرة العنف المنزلي إليه، غير أن الثابت أن تنميط المجتمع للعلاقة بين الجنسين جعلت من المرأة دائماً الطرف الأضعف الذي يسلط عليه الطرف الأقوى (الرجل) غضبه وإحباطه. وكثيراً ما تتسبب المصاعب الاجتماعية كالبطالة والضغط في العمل في اهتزاز ثقة الرجل بنفسه فيجد الحل عن طريق إذلال المرأة وإهانتها ليثبت لنفسه أنه مازال قوياً ومتحكماً. يضاف إلى ذلك مشكلة الإدمان على الكحول المنتشرة كثيراً والتي تحول ضحيتها إلى شخص فاقد الإحساس لا يتورع عن إيذاء أقرب الناس إليه ليهرب من مشاكله.
ما العمل؟
أوضحت السيدة فولتز أن الخطوة الأولى لمعالجة مشكلة العنف ضد المرأة تكمن أولاً في اعتراف المجتمع بالمشكلة وعدم إخفاءها والتنصل منها على أنها مشكلة فردية لا تخص الآخرين. الخطوة التالية تتمثل في وضع قاعدة قانونية تُقر بأن العنف ضد المرأة جريمة لا تقل عن غيرها من الجرائم المدنية وتحدد العقوبات التي يجب إنزالها بالجناة. هنا في ألمانيا ظهر قانون الحماية من العنف إلى النور عام 2002 ويخول القانون إلى قوات الشرطة الحق في طرد الجاني في حالة إثبات واقعة اعتداء على شريكته في المنزل. ولقد طال انتظارنا لهذا القانون والذي نراه خطوة هامة على الطريق الصحيح.
Bildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift: امرأة باكستانية تخفي نصف وجهها المحروق بعد تعرضها لإعتداء زوجها، وتسير في مظاهرة نسائية بمناسبة يوم المرأة العالميمن ناحية أخرى ينبغي عدم إهمال دور المؤسسات المستقلة وغير الحكومية في المساعدة لحل هذه المشكلة، فهذه الهيئات والمنظمات تقدم الدعم الفوري للنساء بعيداً عن البيروقراطية الحكومية. وفي هذا السياق يجب مد هذه المؤسسات بالدعم، كما ينبغي عليها التنسيق فيما بينها لضمان كفاءتها.
العنف ضد المرأة أمام القانون الألماني
قام القانون المدني الألماني بخطوات متعددة في مجال تجريم العنف ضد المرأة. ففي عام 1997 صدر قانون يجرم الاغتصاب الزوجي، والمقصود به إجبار الزوجة على ممارسات جنسية لا ترغبها، أو في أوقات لا تناسبها. وبدءاً من عام 2002 صدر قانون الحماية من العنف وبدء العمل به، وبموجب هذا القانون يمكن للضحية أن تطالب بطرد شريكها من مسكنهما إذا أعتدى عليها، حتى لو كان الجاني يملك المنزل، كما يمكن لها المطالبة بمنع الجاني من أي محاولة للاتصال بها، سواء عن طريق الهاتف أو عن طريق أشخاص إذا رأت في ذلك خطراً عليها، وفي حالة خرق الجاني لحظر الاتصال بضحيته يمكن إنزال عقوبة مالية كبيرة به أو حبسه لمدة تصل إلى عام كامل. وهذا القانون يقرر للمرة الأولى أن الاعتداء على المرأة جريمة تستحق تجريم الجاني سواء اشتكت الضحية أم اضطرت إلى الصمت. وقد منح القانون الشرطة في حالة إثبات حالة اعتداء منزلي عنيف صلاحيات طرد الجاني فوراً لمدة تتراوح بين أسبوع إلى أسبوعين بدون أي قرارات من المحكمة. بعدها يمكن للضحية أن تلجأ للقضاء لتمديد فترة الطرد.
رغم أهمية قانون الحماية من العنف في تكوين قاعدة قانونية ثابتة تتعامل مع العنف المنزلي فإن لدى السيدة فولتز بعض التحفظات على مواد القانون، فمن وجهة نظرها يجرم القانون العنف الجسدي فقط ولا يذكر الأشكال الأخرى من العنف كالعنف النفسي والعنف الاجتماعي. كما يضع القانون مسؤولية إثبات واقعة العنف على عاتق الضحية، مما يجعل بعض الضحايا يشعرن بالخزي والعار ويفضلن الصمت. كما أن المدة بين تحرير بلاغ وبين نظر القضية أمام القضاء تصل إلى ثلاثة أسابيع، وهي مدة طويلة خاصةً في الحالات التي تتعذر فيها سبل الحياة المشتركة.
وماذا عن حقوق المهاجرات في ألمانيا؟
قانون الهجرة الألماني الجديد يُقر أشكال الاضطهاد المتعلقة بالجنس، ويعتبر أن الانتماء إلى مجموعة اجتماعية معينة تتعرض بسبب جنسها إلى خطر الإيذاء الجسدي أو حبس الحرية هو سبب كافي للتقدم بطلب حق اللجوء السياسي. وتقول الفقرة 60 من المادة الأولى إنه في حالة عجز الدولة أو عدم رغبتها في تأمين الحماية لكافة أفرادها يجب فتح الباب للاجئين طالما لا يوجد مهرب داخلي بديل لهم. وتقول السيدة فولتز أن العمل بالقانون بدأ منذ الأول من يناير/كانون الثاني عام 2005 لذلك لا تزال كثير من النقاط غير واضحة، مثلاً قررت بعض المحاكم رفض ترحيل بعض المقيمات بشكل غير شرعي بسبب تعرضهم لخطر الختان إذا عدن إلى بلادهن، في حين لم تعترف بعض المحاكم الأخرى بهذا الخطر.
Bildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift: مظاهرات نسائية للمطالبة بزيادة حقوق المرأة في العمل
وتنوه السيدة فولتز إلى أن المهاجرات اللواتي يصحبن أزواجهن في ألمانيا يخضعن إلى قانون مختلف لا يتسم بالعدل، إذ يحتم القانون على المهاجرات أن يعشن مع أزواجهن في الأراضي الألمانية لمدة سنتين على الأقل حتى يتمكنّ من الحصول على تصريح إقامة مستقلة عن الأزواج. فإذا تعرضن للعنف من قبل أزواجهن في مدة السنتين وتم التفريق بينهما تتعرض إقامتهن في ألمانيا للخطر، حيث يخول القانون إلى مكتب الأجانب البت في منح المرأة إقامةً لمدة عام أو ترحيلها إلى بلادها، وفي حالات العنف الشديد يمنح مكتب الأجانب المرأة إقامة لمدة عام، غير أن الصعوبة التي تقابلها المرأة هي الحرمان من وسطها الاجتماعي بعد انفصالها عن زوجها، لذلك تضطر كثير من النساء إلى السكوت عما ارتُكب بحقهن.
أما السيدات اللواتي لا يتمتعن بإقامة شرعية في الأراضي الألمانية فتتخذ مشكلتهن بعداً مختلفاً، إذ لا يستطعن اللجوء إلى أي هيئة قضائية للدفاع عن حقوقهن، حيث يتم ترحيلهن فور الإمساك بهن. والسيدات الحاصلات على حق اللجوء السياسي يواجهن صعوبات اقتصادية جمة في حالة التفريق بينهن وبين أزواجهن، إذ من الصعب الحصول على عمل ومسكن للإقامة، كما أن القانون يعطي الدولة حق ترحيل اللاجئات إذا رأت أن المساعدات الاجتماعية التي يحصلن عليها تشكل عبء على ميزانيتها. وأخيراً تنصح السيدة فولتز السيدات اللواتي يتعرضن للعنف وهن لا يملكن إقامة شرعية باللجوء فوراً إلى إحدى الجمعيات النسائية مثل "ارض المرأة" حيث يجدن ملجئاً مؤقتاً ورعايةً صحية، كما توفر لهن الجمعية مساعدات ومشورات قانونية.