عندما لم تسقط القصير سارع كثير من أتباع الأسد وشبيحته وأصدقائه لإعلان سقوطها، وعندما لم تسقط القصير سارع كثير من المعارضين السياسيين لإعلان سقوطها أيضاً.
لا يحزنني ألبتة، أن يقوم تلفزيون بشار ببث الاحتفالات والأهازيج مدعياً سقوط المدينة. ولا يحزنني أبداً بعض ذوي الخسة من أشباه الكتاب والمحللين وبائعي الضمير حين يباركون "لحزب الله" احتلاله لمدينة سورية وانتصاره على أهلها وقتله عشرات الأطفال وتدميره آلاف المنازل.
لم أهتزّ أبداً لمن باع ضميره من هؤلاء فادعى أن تحرير القصير خطوة في طريق تحرير الجولان وفلسطين، معتبراً أن الانتصار في القصير هو عملية وقائية هدفها الانتصار على الكيان الصهيوني. هؤلاء الأذلة الذين لا يستطيعون العيش إلا تحت حذاء الأسد وشبيحته، إن كانوا سوريين أو لبنانيين أو غيرهم.
عندما لم تسقط القصير سارع مسؤولو العدو الإيراني لتهنئة ميليشيات حزب الله وشبيحة الأسد بالنصر المزعوم، وعندما لم تسقط القصير، اعتبرت القناة الصهيونية الثانية أن انتصار بشار في القصير خطوة هامة ضمن إنجازات تكتيكية يحققها النظام على الأرض، وهنأته بطريقة غير مباشرة. ولم لا؟ فاليوم أعطى الكيان الصهيوني الضوء الأخضر لبشار الأسد حتى تدخل دباباته القنيطرة وتحاصر الثوار. فهما يخبران العالم بأن عدوهما واحد وهو الثورة السورية.
أسلفت آنفاً أنني لم أحزن من أتباع النظام ولا من عملائه أن يحتفلوا بالمجازر التي ارتكبوها في هذه المدينة الصغيرة، إلا أنني حزنت على ائتلاف المعارضة وأركانه ورئيسه السيد جورج صبرة الذي سارع لإعلان سقوط المدينة التي لم تسقط بعد، بل ونعاها بطريقة خطابية بائسة، في الوقت الذي كان عليه أن يدعم ثوارها بالسلاح والمال والإعلام.
لم يحدث أن أعلن قائد قط عن سقوط أرضه إلا بعد سقوطها بأيام طويلة، وهذا مفهوم في الحروب والمعارك بهدف التأثير على العدو ومحاولة هزيمته.
لا نعرف غير حافظ الأسد الذي أعلن عن سقوط القنيطرة قبل دخول الجيش الصهيوني إليها. وإنني أرفض بالطبع تشبيه حافظ الأسد الذي باع أرضه للعدو، بالسيد جورج صبرة، ولكنني أعبر عن ذهولي من تصرفه الخاطئ.
فقد كان الثوار يتكلمون عبر سكايب من داخل القصير وهم لا يزالون يتكلمون إلى اليوم من داخلها، واستطاعوا قتل العشرات من ميلشيا حزب الله في الوقت الذي يأتي فيه جورج صبرة ليعلن سقوط المدنية الباسلة.
لعل الرجل تأثر بالإشاعة الإعلامية التي بدأت بإعلان سقوط المدينة وما تبعها من بث صور من أحد أحيائها ثم تهنئة العدوين الإيراني والصهيوني واحتفالات ميلشيا حزب الله في الضاحية. فلربما كانت تلك الإشاعة شديدة الوقع على الائتلاف فانطلق للمشاركة فيها دون وعي لمخاطرها.
عندما لم تسقط القصير أصرت الجزيرة على نشر أخبار سقوطها معتمدة على تلفزيون النظام السوري في الوقت الذي أهملت فيه أو على الأقل أخّرت الأخبار الموثوقة التي يبثها الثوار عبر سكايب وإلى الجزيرة نفسها.
في لحظة ما، شعرنا، وليتنا نكون قد أخطأنا، أن العالم كله بما فيه المعارضة السورية يريد أن يقتنع ويقنع غيره بسقوط المدينة تمهيداً لمؤتمر جنيف.
من المهم أن نتذكر أن القصير مدينة صغيرة، بل جزء صغير من هذه الثورة العظيمة، وسواء تم احتلالها أم لا، فإن الثورة ماضية في طريقها حتى يسقط الأسد ويسحل في شوارع دمشق.
ومن المهم أن يتضح للعالم أن احتفالات الأسد بما أسماه سقوط القصير ما هو إلا عمل دعائي ليرفع من معنويات شبيحته المنهارة ومن معنويات ميليشيا حزب الله التي خسرت حتى اليوم ما يزيد على 450 معتد منهم شقيق دجال المقاومة حسن نصر الله.
أراد النظام كما أراد العالم الغربي أن يذهب الأسد إلى جنيف بورقة ضغط من أي نوع، حتى يتم تحقيق التوازن بينه وبين الثوار، ولهذا تم تضخيم معركة القصير وأهميتها الاستراتيجية ثم تم الإعلان عن النصر في سبيل أن يمرر الأسد وداعموه بعضاً من شروطهم.
لكن أي انتصارات تلك التي حققها الأسد، وقد قتل الثوار اليوم 45 من شبيحته في طريق مطار دمشق الدولي وغنموا اثنتي عشرة دبابة في القنيطرة، وقتلوا العقيد إبراهيم سلمان قائد العمليات في الغوطة الشرقية.
وأي انتصار إذا كان الأسد لا يستطيع أن يخرج من جحره ويتلفّت حوله كلما سمع صوت أسلحة الثوار كما نقل ذلك مراسل صحيفة كلارين الأرجنتينية الذي أجرى لقاء معه في الشهر الماضي.
في هذا الصباح رأينا رجال القصير يتكلمون من داخلها لم تهزهم الإشاعات كلها، ولم يثنهم المرجفون عن ثورتهم ولا عن صمودهم.
تحية لأبطال القصير، برجالها ونسائها وأطفالها الذين كلفوا حزب الله وشبيحة الأسد مئات القتلى، تحية لأولئك الرجال الذي أوقفوا زحف المحتل الصفوي - الأسدي تسعة وأربعين يوماً متواصلة، بينما فرّ حافظ الأسد مذعوراً أمام الكيان الصهيوني الذي استطاع أن يحتل الجولان والقنيطرة في ستة أيام فقط.
لا شك في أننا نشعر بالفخر والعزة ونتحسس أكاليل الغار بعد صمود بضع مئات من أبطال القصير أمام أشد الأعداء بربرية في هذا العصر، إيران وروسيا وميليشيات نصر الله.
لن تسقط القصير ولن تسقط أي مدينة سورية أخرى، ولئن سقطت فسوف ترتقي إلى أعلى، إنما السقوط للأسد وشبيحته وهو قريب وإن ظن المرجفون أنه بعيد.
المصدر: العصر