على الرغم من انفجار أزمة المياه مؤخرًا في مصر، فإن المصريين سعوا منذ أكثر من 100 عام لحل هذه الأزمة المتوقعة، وكانت الأنظار دائما متجهة إلى بديل جديد لزيادة مياه نهر النيل، حيث طرح "أباتا باشا" كبير مهندسي الري المصريين بالسودان عام 1903، مشروع شق قناة تصل نهر الكونغو بأحد روافد النيل بالسودان وتحديدا النيل الأبيض للاستفادة من المياه التي تهدر سنويا في المحيط الأطلسي.
وكان أخر من سعى في تنفيذ هذا المشروع هو الدكتور نادر نور الدين الخبير المائي، حيث طرح فكرة المشروع مرة أخرى منذ ثلاث سنوات.
وقال نور الدين، في تصريحات لـ"الوطن"، إن نهر الكونغو ثاني أطول نهر في إفريقيا بعد نهر النيل، وثاني أكبر نهر من حيث التدفق المائي بعد نهر الأمازون، مشيرًا إلى أنه يفقد أكثر من 1284 مليار متر مكعب سنويًا في المحيط الأطلسي، وهو قريب من النيل الأبيض بالسودان.
وأشار فرحات، إلى أن المشروع هو عبارة عن شق وصلة من نهر الكونغو بطول 500 كيلو متر للنيل الأبيض بالسودان، للحصول على 50 مليار متر مكعب من فاقد النهر في المحيط الأطلسي، مؤكدًا أن هيئة المساحة المصرية أرسلت لجنة فنية لدراسة المشروع على أرض الواقع، وقدمت تقريرا إلى مجلس الوزراء منذ سنتين، أكدت فيه على أنه مشروع حيوي، وقابل للتنفيذ على أرض الواقع، وله عائدات اقتصادية كبيرة، كما أن الأرض منحدرة ولا تستدعي محطات لرفع المياه، وأنه لا توجد مشكله في تنفيذه على الواقع سوى أشجار الغابات الاستوائية الكثيفة.
وأضاف الخبير المائي أن هناك عدة صعوبات تواجه المشروع، وأولها أن القوانين الدولية تمنع نقل المياه من حوض إلى حوض أخر، كما أن المقابل الذي ستحصل عليه الكونغو مقابل هذا الماء إذا كان ماديا فسيكون هناك مبدأ جديد لتسعير المياه، التي لم تمنعها أو تبيحها القوانين الدولية ولكنها لم تقرها أيضا، كما أن هناك دول مشتركة في نهر الكونغو يجب موافقتها، لأن الكونغو هي دولة المصب مشيرا إلى أن المشروع سوف يواجه صعوبات كثيرة، يمكن أن تحل باتصالات دبلوماسية، ودراسات مستقبلية، مؤكدا على أهمية المشروع في تأمين مستقبل المياه في مصر.
وأشاد نور الدين بموقف الكونغو المشرف من اتفاقية "عنتيبي" لتضامنها مع مصر والسودان، مؤكدا أنها لن تمانع على مشروع نهر الكونغو، الذي يجب أن يكون مقابل تعويضات مصرية، واستثمارات لتجنب مبدأ تسعير المياه، مضيفا، "الكونغو هي الدولة الوحيدة التي لم توقع على اتفاقية عنتيبي وإذا شعرت بعدم تقدير الجانب المصري لموقفها سندفعها للتوقيع على اتفاقية عنتيبي" مؤكدا على ضرورة مكافئة مصر للكونغو على موقفها المتضامن والمشرف مع مصر.
وأوضح أن هناك العديد من الاستثمارات والمشاريع التي يمكن تنفيذها في الكونغو لأنها تمتلك ثاني أكبر مساحه من الغابات الاستوائية، حيث تغطي الغابات أكثر من 200 مليون فدان، مؤكدا أن الكونغو عرضت على مصر إزالة هذه الأشجار والاستفادة منها، مضيفا "الصين قطعت أكثر من 5 مليون هكتار من الأخشاب من الكونغو العام الماضي"، مشيرا إلى إمكانية توفير استيراد الأخشاب من الخارج، لصنع الأثاث والورق.
وشدد نور الدين على إنهاء أزمة إثيوبيا أولا قبل البدء في تنفيذ هذا المشروع، حتى لا تعتمد إثيوبيا على وجود بديل للمياه في مصر، مؤكدا أن إثيوبيا يجب أن تعترف بأن نهر النيل هو نهر مشترك وليس نهرا إثيوبيا، مؤكدا أنه بعد ذلك يمكن العمل على بدء تنفيذ المشروع.
وفي المقابل، أوضح الدكتور مغاوري شحاتة رئيس مجلس إدارة الجمعية العربية للمياه الصحية، أن مشروع نهر الكونغو "افتراضي ولا يمكن تطبيقه على أرض الواقع".
وأشار مغاوري، لـ"الوطن"، إلى أن مشروع تحويل مجرى نهر الكونغو باتجاه جنوب السودان شمالا ثم السودان ثم مصر، بدلا من أن يكون شرقا باتجاه المحيط الأطلسي، هو مشروع افتراضي غير قابل للتطبيق.
وأكد أن هناك عدة عقبات في طريق تنفيذ المشروع، تتعلق باتفاقيات دولية لا تنطبق على المشروع من ناحية قوانين عدم السماح بنقل المياه من أحوض مائية إلى أخرى، كما أن المعوقات الجيولوجية بسبب وعورة المنطقة التي ستكون فيها الوصلة بين النهرين، مليئة بالجبال والهضاب وغيرها من المعوقات الجيولوجية، التي تجعل من هذا المشروع مستحيل تطبيقه.
وشدد مغاوري على أن هناك خطرا محققا على مستقبل مصر والسودان المائي بسبب سد النهضة الإثيوبي، مشيرا إلى أنه سيتم التحكم في تدفق المياه من إثيوبيا، عن طريق 15 فتحة لخروج المياه من السد، والتي ستتحكم فيها شركة كهرباء إسرائيلية، متسائلا، تخيل مدى الخطر إذا كانت مفاتيح المياه المصرية في يد إسرائيل؟، مؤكدا أن حصة مصر من المياه سوف تتناقص إلى 40 مليار متر مكعب من المياه، في الوقت الذي تمر به مصر بأزمة مياه حقيقية الآن، مضيفا "نحن نمر الأن بأزمة فعلية في المياه، فلا تنخدعوا بمشهد نهر النيل أعلى كوبري قصر النيل".
وأضاف أن القضية ليست في تحويل مجرى نهر النيل، وأن تحويل المجرى أمر مؤقت وسوف تعود المياه مرة أخرى لكن في مواجهة السد، ويجب أن تنتبه الحكومة المصرية للخطر القادم، وهو بناء السد نفسه وليس تغيير مجرى النيل، مشيرا إلى أن موقف الحكومة المصري ليس محددا حتى الآن، ولا يعرف أحد اتجاهها.
وشدد عالم المياه المصري على ضرورة تحرك الحكومة المصرية، وعدم انتظار تقرير اللجنة الثلاثية، التي لن تأتي بجديد، مضيفا "إذا كنا نمر بأزمة مائية الآن فكيف سيكون الوضع بعد بناء سد النهضة؟، كنا نأمل في زيادة حصة مصر من المياه، حتي تفاجئنا بمعاقبة إثيوبيا لنا ومحاولة نقص حصة مصر في المياه"، مشيرا إلى أن الوضع في إثيوبيا هو سيطرة إستراتيجية على على مقاليد الأمور، بتحريك وتواطؤ من بعض الدول للتأثير على مستقبل المائي والقومي المصري.