نشر موقع السفارة العراقية في برلين حوارا أجرته مع السفير العراقي في ألمانيا علاء الهاشمي صحيفة برلينر تسايتونغ البرلينية اليومية .
الاثار العراقية المسروقة والاتجار بها في المانيا
في أطار تحرك السفارة في برلين لمتابعة ملف الاثار العراقية المسروقة والتي يتم الاتجار بها في الاسواق وبيان وجهة نظر العراق للرأي العام الالماني حول هذا الموضوع الحيوي ، قامت صحيفة برلينر تسايتونغ البرلينية اليومية واسعة الانتشار بمقابلة مع السيد السفير نشرت في الصحيفة يوم 7/10/2009 تمحورت حول جهود العراق على كافة المستويات في العراق والمانيا والدول الاخرى في أسترجاع أثار العراق والتي تعرض في الاسواق والمزادات العالمية ، أدناه ترجمة للمقابلة.
تقديم الصحيفة:
قبل أيام أقرت محكمة في مدينة ميونخ بعائدية إناء ذهبي لجمهورية العراق كان هذا الإناء الذهبي قد تم بيعه في مزاد علني عام 2004 وقد أعلن المزاد العلني بأن هذا الإناء يعود للعصور الرومانية ، الا ان خبيري آثار ألمانيين قاما بفحص الإناء وتأكدا من امر عائديته الى ارض ما بين النهرين.
ان هذا الأمر يشكل للنقاد نقطة تُشير الى ثغرات قانونية في عمليات البيع والإتجار بالمقتنيات الآثارية والفنية مما يجعل من ألمانيا مسرحاً لبيع الآثار والمقتنيات الاثرية بصورة غير شرعية . لقد قام سفير جمهورية العراق في برلين السيد علاء الهاشمي بالتدخل شخصياً للحد من هذه العمليات وهو يطالب بإعادة كل الآثار العراقية المسروقة من العراق.
س: مالذي حدث للإناء الذهبي؟
ج. انطلاقاُ من قرار للإتحاد الأوربي عام 2003 يقضي بعدم الإتجار غير القانوني بالآثار العراقية قامت المحكمة بإصدار قرارها لصالح العراق ويمكن لدار المزاد ان يتقدم بطعن ضد القرار، لكن كل الدلائل تشير الى ان الإناء الذهبي هو ملك للعراق وبنسبة 95% وقد اثبتت المحكمة المالية في مدينة ميونخ ان الوثائق المقدمة من إدارة المزاد هي وثائق غير صحيحة وبإعتقادي فان الإناء تم تهريبه بعد عام 2003 بطريق غير قانوني وبالتالي فإن ملكيته تعود لجمهورية العراق.
س. كيف علمتم بمسألة المزاد المتعلق بالإناء الذهبي وكيف تستعلمون وبشكل عام عن هكذا حالات؟
ج. لقد إستلمت رسالة من احد الخبراء حول الموضوع وقمت بتنبي الموضوع بشكل شخصي، وكما تعلمين ان هكذا نواع من الآثار بتفاصيلها الدقيقة لا يمكن ان تأتي الا من حفريات غير قانونية في العراق. ان عمليات التنقيب غير الشرعية ليست فقط إجرامية بل انها تسبب الضرر للعراق الذي سيحتاج الى ارثه وكنوزه وهي بذات الوقت تشكل جريمة بحق الانسانية لأن حضارة وادي الرافدين متجذرة في الحضارة الإنسانية وهذه السرقات تدمر كل التفاصيل التي تمكننا من دراسة وإكتشاف حضاراتنا المشتركة والتعرف عليها وأن الإتجار بهذه الآثار يشكل الحافز لهذه الحفريات غير الشرعية، وانا والعاملين في السفارة نبحث في صفحات الأنترنت عن آثار مشبوهة بالإضافة إلى الدعم المقدم من قبل عدد من خبراء الآثار.
س. هنالك حالة مشابهة كما هو الحال مع فأس الملك شلكي والذي عاش في وادي الرافدين، فهذا الفأس كان قد ظهر للمرة الأولى ايضا في مزاد علني وفي النهاية تم نقله من قبل وزير الخارجية شتاينماير خلال زيارته الأخيرة الى بغداد وتم تسليمه الى الحكومة العراقية؟
ج. يمكننا الآن الحديث بشكل منفتح ، لقد قامت السفارة طيلة السنة والنصف الماضية بمتابعة هذا الموضوع بشكل مركّز وقمنا بطلب الدعم من الجهات الرسمية الألمانية وفي ذلك الوقت لم تتوفر لدينا الأموال الحكومية المخصصة لهكذا نوع من القضايا لكني قمت بتوكيل احد المحامين لمتابعة الموضوع والذي يعتبر من المواضيع الصعبة وقد حالفنا الحظ بعد تنازل المالك المفترض للفأس عن ملكيته المفترضة لذلك كان بالإمكان لوزير الخارجية ان يعيد هذا الفأس الى العراق.
س. لماذا تتسم هذه الحالات بالصعوبة؟
ج. ان عائدية هذا الأثر ممكن ان يكون من سوريا التي كانت جزءاً من وادي الرافدين او من ايران او ان يكون قد جاء من مقتنيات شخصية تم إقتناؤها منذ عشرات السنين. ان على العراق دائماً ان يثبت وبشكل قانوني عائدية الآثار، وان ما يجعل الموضوع صعبا هو عدم معرفتنا بما تم سرقته من المواقع الأثرية بشكل غير قانوني ولا نعرف ماالذي تم العثور عليه او الذي جرى تهريبه من العراق.
س. هل هنالك حالات مشابهة في الوقت الحاضر؟
ج. لدينا معلومات تفيد بأن ألمانيا قد أصبحت مسرحاً للإتجار الدولي بالقطع الآثارية والفنية وللأسف لم تتخذ السلطات الالمانية اجراءات كافية للحد من هذه التجارة ونحن نعتقد ان ذلك يضر بسمعة المانيا ويقف بالضد مع مصلحة المانيا ومصلحة العراق ايضاً.
حفريات غير شرعية في العراق
س. ان من واجبات السفير ان يمثل بلده على المستوى الدبلوماسي. هل هي قضية خاصة ان تتابعوا موضوع هذه المقتنيات؟
ج. انا مهندس معماري ومهتم بالتاريخ الفني وهذا الموضوع يحضى بإهتمامي الشخصي.
س.لقد منعت المعاهدات الدولية وبالتحديد المعاهدة التي منعت الإتجار بالآثار العراقية بعد سرقة المتحف الوطني في بغداد عام 2003 والتي منعت الإتجار بالآثار العراقية. لماذا لايزال هذا الإتجار ممكن في ألمانيا في حين يمنع في أماكن اخرى؟
ج. ان لكل دولة سيادتها الوطنية وهنالك اتفاقيات دولية ولكل دولة أطرها القانونية التي تنسجم مع هذه القرارات وتغلق اية ثغرات فيها والتي تثبت الفحوى القانونية للاتفاقات الدولية وتزيل التداخل ولم يتم ذلك لحد الآن في ألمانيا. ان العنوان الأساسي لأي سفير اجنبي هو وزارة الخارجية ، وللإتجار بالمقتنيات الأثارية والتجارة الدولية والكمارك لديها دوائر مختصة بذلك وان ذلك لا يتعلق بالرغبة ولكن يتعلق بالقوانين التي تُتيح للتجار فرصة للترويج لتجارتهم المشبوهة ولا توجد ايضا آلية للسيطرة على هذه التجارة وكل هذه الثغرات يستفيد منها التجار بشكل جيد.
س. هنالك البعض ممن يدعي ان العراق يملك الكثير من المقتنيات الفنية والآثارية فلماذا يصر على رقع طينية او اناء ذهبي كهذا؟
ج. بالإمكان طرح السؤال التالي. هل يمكن ان نضع ( محفوظات غوته) او اهم المعالم الآثارية الألمانية تحت تصرف العراق؟ لا يمكن لأي انسان ان يسلخ هذه الآثار من محيطها وان الآثار القادمة من وادي الرافدين مرجعها هناك وهي تمثل الإرث الثقافي للعراق وتكوّن حلقةً ثقافية وعندما تفقد هذه الحلقة جزءاً منها ستسبب ثغرةً فيها.
س. كيف تتعاملون مع بوابة عشتار وشارع الموكب في المتحف الإسلامي؟
ج. وحتى اذا قام العاملون في المتحف بمحاولة اعطاء الشعور ان الشخص او الزائر يقف في بابل فان هذا الأمر غير ناجح ، لفقدان الروحية التي تمثلها الصحراء المحيطة كما في بابل وهذه القضية تنطبق على كل الآثار العراقية الموجودة في متاحف باريس ولندن ، على الشعوب ان تتبادل الخبرات وهذه آثار يمكن ارسالها للعرض في المتاحف الأوربية لكننا نتوقع ان يتفهم الاخرون امانينا بان تعود كل الكنوز التاريخية الى العراق.
س. هل تطالب بإعادة بوابة عشتار وشارع الموكب الى العراق؟
ج. انا لا اطالب بذلك ولكن يبقى هو حقنا ان نتمنى ان تعود كل الآثار العراق الى العراق. نحن نعترف بأن وجود بوابة عشتار وشارع الموكب في المتحف الإسلامي في برلين تعطي الإنطباع عن عظم الحضارة التي كانت تسود في العراق والجذور المشتركة لنا جميعاً، وربما سيأتي الوقت عندما يجلس الزوار في صالة كبيرة وبالإستعانة بالتقنيات الحديثة ستتوفر لهم الفرصة بالشعور انهم في مدينة بابل القديمة وانهم يتجولون في شوارعها.
س.لا زلنا في بوابة عشتار لكننا نتابع موضوع آثار مثل الإناء الذهبي والتي قد تكون سرقت من حفريات غير شرعية. خلال الحرب الأخيرة على العراق ، جرت عمليات سرقة لامثيل لها. كيف هو الحال الآن؟
ج. لقد قامت الحكومة العراقية بتأسيس فرق من الشرطة خاصة مجهزة بثلاثة الالآف شرطي لحماية الآثار في العراق وتم تزويدهم بأسلحة حديثة وسيارات ذات الدفع الرباعي بالإضافة الى الدعم الذي نتلقاه من الخارج ويتم تزويدنا بصور للاقمار الصناعية كما ان الحدود تم تأمينها بشكل معين ضد عمليات التهريب وأيضا تم عقد عدد من الإتفاقيات مع دول الجوار ادت الى انحسار في عمليات سرقة الاثار.
س. لابد ان يتم اعادة الآثار العراقية الى العراق ويتم عرضها في المتاحف. هل يتلقى العراق دعماً من الخارج؟
ج. هنالك اتفاقات خاصة مع بعض الدول كالولايات المتحدة وفرنسا وايطاليا والآن مع المانيا لتقديم الدعم في عمليات الترميم وتدريب الكوادر الآثارية العراقية ومجالات اخرى لحماية الآثار وهذا يشكل نقطة ايجابية ، لكني حزين عندما ارى زملائي سفراء العراق في هولندا او ايطاليا تتصل بهم الجهات الرسمية في تلك البلاد وتعيد لهم آثار عراقية مسروقة وهذا لم يحدث في ألمانيا فيجب علي متابعة هذا الموضوع بشكل مباشر وشخصي.
س. لقد تجاوز العراقيون الحرب والأزمات واوقات صعبة وامامهم الكثير من المشاكل. هل يُثمن العراقيون ماضيهم؟
ج. هنالك ثغرة في هذا المجال فتكاد تنعدم المعلومات المقدمة للأجيال الجديدة لكن هنالك احساس متصاعد لدى العراقيين بإزدياد الإهتمام بتاريخهم ومثال على ذلك الألم والحزن الذي اصب الكثير من العراقيين عندما اتخذت القوات متعددة الجنسية معسكرات لها بجانب المواقع الآثارية كما هو الحال في بابل وأور، بالإضافة إلى إهمال من قبل الحكومات السابقة لهذا الموضوع ، واعتقد بان علينا ان ندخل هذا الموضوع في المناهج التعليمية . قبل فترة وجيزة استقبلنا 16 عشر طالبا من العراق كضيوف في المانيا وكان من الضروري ان تتاح لهم الفرصة في زيارة متحف (البركامون) وإظهار إهتمام الشعوب الاخرى بحضارتنا وإرثنا والتاريخ هو جزء من الهوية التي علينا ان نوضحها لإطفالنا.