بدلاً من انتظار الشيك المقبل الذي يتلقاه من مصالح الرعاية الاجتماعية، قرر "هينو فيتستوك" العمل في الحقول. لقد ظل عامل البناء الألماني هذا عاطلاً عن العمل منذ ثلاث سنوات، ولكنه قرر هذا الربيع الانضمام إلى نحو 280000 عامل بولندي مهاجر من أجل جني نبات "الهليون" من حقول "براندنبورغ" الخصبة. ويقول فيتستوك "علي أن أفعل شيئا. أما الجلوس على الأريكة في البيت فليس خياراً".
وفي مجهود استثنائي لمواجهة ظاهرة البطالة التي وصل معدلها إلى 11.9 في المئة، تسعى برلين أيضاًً من وراء هذه الخطوة إلى الاستجابة لمقولة أضحت تتكرر في العديد من الدول الصناعية مفادها أن "الأجانب يأخذون وظائفنا". ففي ألمانيا، جرت العادة أن يقوم العمال المهاجرون بجني نبات الهليون. بيد أن وزارة العمل الألمانية أصدرت قانوناً جديداً هذا العام يقضي بأن يكون 10 في المئة من عمال المزارع الموسميين من الألمان.
غير أنه بالنظر إلى العمال الألمان الذين لا يتعدى عددهم المئة والسبعين في ولاية براندنبورغ حتى الآن، يبدو أن التجربة لا تخلو من عقبات منذ بدايتها. ثم إن المزارعين الألمان لا يُخفون امتعاضهم واستياءهم إزاء هذا القرار، على اعتبار أن العمال الألمان ليسوا ببراعة البولنديين، حيث يرون أن الألمان العاطلين عن العمل تعوزهم الممارسة والتحفيز الذاتي. وفي هذا الإطار، يقول ديتريتش بول، المتحدث باسم مزارعي نبات الهليون في ولاية ساكسونيا السفلى: "لا يمكننا أن نجبر الناس على العمل، وخصوصاً في هذا النوع من الوظائف".
وإضافة إلى قلق المزارعين، يسود الانطباع بأن ألمانيا، التي لا ترحب بالعمالة غير الماهرة، تضع العراقيل التي من شأنها أن تدفع عمال أوروبا الشرقية إلى البحث عن العمل في أماكن أخرى من أوروبا. وفي هذا السياق، يرى المزارعون أن دخول قانون أوروبي، ينص على أن يتم اقتطاع مستحقات الضمان الاجتماعي من أجور العمال البولنديين المهاجرين، حيز التنفيذ هذا العام بألمانيا ساهم كذلك في انخفاض عدد العمال الذين يأتون إلى هنا. وفي هذا السياق، يقول بول "إن أولئك العمال الموسميين يمثلون ركيزة المزارع بهذه المنطقة"، مضيفاً "إنهم سبب خلق الوظائف الدائمة. وإذا أخذ عددهم في التراجع، فالأكيد أن المزارع ستتقلص".
غير أن مسؤولي وزارة العمل ينفون أن تكون لهم علاقة بانخفاض عدد العمال الأجانب. فالعمل بنسبة 10 في المئة التي ينص عليها القانون الأوروبي تروم دمج الألمان في اليد العاملة الزراعية، وليس إقصاء الأجانب منها. ثم إنه خلافاً لمحاولات سابقة فاشلة، يقول "أولريتش واشكي"، فإن وزارة العمل لا تحاول "إجبار" أي كان. أما الهدف الحقيقي، يضيف "واشكي"، فهو تشغيل عمال زراعيين من صفوف العاطلين عن العمل، والذين قد تجذبهم فكرة كسب المال إضافة إلى المنح الشهرية التي يحصلون عليها من الحكومة.
وحسب المناطق، ينتظر أن تدفع وكالة العمل ما بين 13 و20 يورو في اليوم للعمال الزراعيين الألمان، علاوة على الأجر الذي يتلقونه مقابل العمل في المزرعة. وفي ختام شهر من العمل، فإن ذلك قد يعني ما مجموعه 480 يورو معفية من الضرائب. والواقع أن الدخل الإضافي هو الذي جذب "فيتستوك" الذي يكافح من أجل إعالة أسرته المتكونة من خمسة أفراد. وفي هذا الإطار، يقول "فيتستوك"، الذي يتقاضى 298 يورو شهرياً من الحكومة إضافة إلى معونة سكنية: "إن للأطفال متطلبات أيضاً، ولا يمكننا أن نوفرها بالاعتماد على المنح الحكومية فقط".
ويقول المسؤولون الألمان إن الأهم من ضخ بعض المال المؤقت هو الأمل في أن يمنح العمل الأشخاص مثل "فيتستوك" الشحنة النفسية اللازمة للعودة إلى سوق العمل العادي. وفي هذا السياق، يقول "دورك جول"، الرجل الثاني في مؤسسة "أغروتايم"، وهي وكالة توظيف خاصة، "إن موسم الجني يمنحهم على الأقل بعض الرؤيا، وما أحوجهم إلى ذلك!". ويعمل "جول" على توظيف العاطلين الألمان كعاملين موسميين في واحدة من أكبر مزارع "براندنبورغ". وقبل إرسالهم إلى هناك، يحرص على أن يفهمهم طبيعة العمل المطلوب منهم.
وبفضل اعتماد ما بات يعرف بقانون 10 في المئة هذا الموسم، تمكن "جول" من توظيف 170 عاطلا ألمانيا في 12 مزرعة بالمنطقة. (ولأن موسم الجني ابتدأ للتو، فلا تتوفر إحصاءات وطنية بعد). ورغم أنه من المتضامنين مع العاطلين الألمان، فإن "جول" واقعي عندما يتعلق الأمر بحدود المتدربين حيث يقول "يمكن للعامل البولندي أن يجني في المتوسط ما مجموعه 400 كيلوغرام من نبات الهليون في اليوم. أما العامل الألماني، فلا يجني في المتوسط سوى نحو 200 كيلوغرام".